-A +A
حمود أبوطالب
للمرة الأولى يتحدث بعض مسؤولي منظمة الصحة العالمية بشكل واضح ونبرة عالية عن التمايز في الرعاية الصحية بين الدول الغنية والفقيرة، وكيف جسدت جائحة كورونا الحرمان الذي تعيشه بعض الدول من أبسط عناصر الرعاية الصحية، مقابل الترف الذي تعيشه دول أخرى. حدث ذلك مؤخراً مع ظهور المتحور الجديد لفايروس كورونا الذي اجتاح بعض دول أفريقيا، ووصل إلى بعض الدول الأوروبية، وخلق حالة من الهلع المبرر في بعض جوانبه، وغير المبرر علمياً إلى الآن في جوانب أخرى بحسب آراء بعض علماء الأوبئة.

الجانب الأخلاقي الإنساني في جائحة كورونا محزن جداً، ففي الوقت الذي تُتلف فيه كميات ضخمة من اللقاح في بعض الدول لانتهاء صلاحيتها، لم تصل نسبة التطعيم في بعض الدول الفقيرة، في أفريقيا على وجه الخصوص، نسبة 1%، ليس لأن أولئك المعدمين يمانعون في أخذ اللقاح وإنما لأنهم لم يحصلوا عليه. هذا هو الواقع رغم كل الكلام المنمق الذي سمعناه عن مساعدة الدول الفقيرة بتقديم كميات كافية من اللقاح.


وفي وضع كهذا، أي عدم إمكانية الحصول على اللقاح فإن الفايروس يسرح ويمرح ويتحور كما يشاء، وهذا أحد أسباب حدوث الطفرات الجديدة بالإضافة إلى أسباب أخرى، وإذا استمر هذا الحال في الدول الفقيرة فإنه لن تقف حواجز أمام التحورات الجديدة التي تحتاج إلى وقت لدراسة مدى شراستها وتأثيرها على المناعة المكتسبة من اللقاح الذي تم التوصل إليه، أي أن الشر في النهاية سيعم طالما كانت البؤر المحرومة من اللقاحات وبقية تفاصيل العناية الصحية موجودة في أي مكان في العالم.

في زمن كورونا، كلٌّ يغني على ليلاه. هناك من يوظفه سياسياً، وهناك من يُغلّب الجانب الاقتصادي على الصحي، وهناك من يتحدث بمثالية عن الحقوق الصحية لكل البشر دون فعل يؤكد الكلام، وفي النهاية ستظل جائحة كورونا امتحاناً حقيقياً وصعباً للأبعاد الأخلاقية في هذا العالم اللاهث المجنون.